صرخوا: الرأفـة بالـقتـلة!
حتى حين أدخل إلى دهـاليز هذا السجن فـقـد وجد عددا من الـفرص السريعة ليختطف حياة البعض دون أدنى شفقة ودونما أسباب! وظل يقبع في زنزانته المنفردة التي تحذر عنها القوارض وتحذر منها أقاصي أجيالها، كما تخشى ان تطوف فيها أي حشرة، وان كانت مجرد ذبابة، فهي التي تعلم جيدا بأن لا مجال لها بفرصة للحياة حين ترتكب مثل هذا الخطأ الفادح في أي لحظة.
كان يتجول فيها وهو لا يبرح مسافة المتر وأجزاء منه، بـروح الضبع الجائع بـأمل قـدوم أي قـادم، وبأمله بالمحاكمة!
عسى أن تمنحه فرصة جديـدة للخروج، للعيش والحيـاة، كأمل هؤلاء المدافعون عنه، ومن خلفهم المحبين له، وهم من المعجبين بأعماله، وأمام كل هؤلاء المنادون بالإصلاح! باستبدال عقوبات القصاص المشروعة والحتمية الى أساليب حضارية متطورة كالعلاج واعادة التأهيل!.
وفي تجواله بخطواته المتنمرة بينما هو يمارس الانتظار مطلقا بريق نظراته المتربصة في تضرس وزفير كالزمجرة عند كل زاوية او التفافة ارتداد، كانت أيضا العدالة الصادقة تنتظر وفي ملل وحنق، متـوقـد بالشراسة، ترقب نهاية هـذه النهاية ولكن بسيناريو مضاد او بالاتجاه المعاكس!
وحتى لحظات بدء المحاكمة تأمل بانتهائها أن تنتزع عنه روحه الشريرة من بين أضلعه، وترسلها دونما أسف الى المكان المناسب الذي تستحقه، أو الذي لابد منه، لكي تجد بقية الحيوات الأخرى فرصتها بالعيش في مساحة الزمن الممنوحة لهـا من خالقها، وبسعادة على مساحة الأرض التي خلقت لها.
وها هي آمالـه في هذه اللحظات آخــذة بالاستعداد للقفـز من محاجـر عينيه المحمرّة بينما يقلب نظراته في نوعيات من الرقاب والحناجر بين الحضور! وبما هو غير مرئي ويدور في أعماقه، وبرغم أنه مغلول الى قيوده الثقيلة في قفص المحاكمة!
فهو يجـد المغريات والكثير من الدوافع والفرص في الصراخ والصراع الذي يدوي بين جنبـات هذه الـقاعـة، وهي الساحة والميدان بين العدالة والدفاع، وفي متعة بحثه كثيرا ما تسمرت نظراته ثاقبة في سماكة رقاب صف القضاة، فيفاضل بينـها، ويتصور أميزها في أجود لحظاته السعيدة، ثم يبتسم ببلوغ مخيلته الى أجمل المشاهد بينما هي بين يديه خنقـا أو نحـرا، وتغزوه النشوة برائحة الدماء الساخنة تندفع بغزارة في سرعة مفارقـة الروح عن الجسد.
وحينها كانت تتراقص أمامه الكثير من الاختيارات والعديد من الأماني من خلال ما يجري بين أعداد هؤلاء الحضور، فهو لم يعد يسمع ما يـدور، وكأنـه لا يعنيه، فقد أصبح ما يعنيه حقـا هو جميـع هذه الإشكال والحالات المفضلة التي يراهـا أو يسمع في رنـات ونغمـات أصواتها ما يـثيره، وكأنها تستدعيه داخل الـقـاعة رافعـة بحدود رغباته إلى أقصى درجات الشوق في التشفي او ممارسة متعتـه، التي طالما يبحث عنها ولسنوات حتى جاءت به الصدفة الى هنـا، ظلمـا وعدوانـا!
لأنه مازال عطشا، لم يعط فرصته الكاملة! لقد حرم من أن يروي عطشه وظمأه الشديد، ولكنه! أبتسم بأنيابه، وهو يسمع الأصوات تتعالى بجنون في جنبات القاعة! والقاضي يحاول أن يصدر حكمه:
- يحيــا العـدل ، يحيــا العـدل!
- الرحمة، بالقتلة باسم الرحمة ..
- الرحمــة بالقتلة! باسم البشرية والإنسانية
- الرحمة، والرأفة بالقتلة !
فكان هناك صوتا وحيدا مقابل ثلاثة أصوات تطالب بالحسم.
***********
[/size]